فصل: باب ما جاء في عقل العين إذا ذهب بصرها

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الاستذكار لمذاهب علماء الأمصار فيما تضمنه الموطأ من معاني الرأي والآثار ***


باب عقل الجراح في الخطأ

1582- قال مالك الأمر المجتمع عليه عندهم في الخطأ أنه لا يعقل حتى يبرأ المجروح ويصح وأنه إن كسر عظم من الإنسان يد أو رجل أو غير ذلك من الجسد خطأ فبرأ وصح وعاد لهيئته فليس فيه عقل فإن نقص أو كان فيه عثل ففيه من عقله بحساب ما نقص منه قال مالك فإن كان ذلك العظم مما جاء فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم عقل مسمى فبحساب ما فرض فيه النبي صلى الله عليه وسلم وما كان مما لم يأت فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم عقل مسمى ولم تمض فيه سنة ولا عقل مسمى فإنه يجتهد فيه قال أبو عمر قوله كله صحيح حسن أما قوله إنه لا يعقل في الخطأ جرح المجروح حتى يبرأ فعلى ذلك أكثر العلماء في العمد والخطأ وقالوا لا يقاد من الجرح العمد ولا يعقل الخطأ حتى يصح ويبرأ قال بن القاسم عن مالك لا يقاد من جراحه عمدا إلا بعد البرء ولا يعقل الخطأ إلا بعد البرء وكذلك قال الثوري وقال الحسن بن صالح بن حي يتربص بالسن بالجراح سنة مخافة أن ينتقص‏.‏

وقال أبو حنيفة فيمن كسر سن رجل لا أرش فيه حتى يحول عليه الحول فيحكم بما يؤول إليه أمره وكذلك الجراحات لا يقضى فيها بأرش حتى ينظر إلى ما تؤول وذكر المزني عن الشافعي ولو قطع أصبع رجل فسأل المقطوع القود ساعة قطع أقدته فإن ذهبت كف المجني عليه جعلت على الجاني أرش أربعة أخماس ديتها ولو مات منها قتلته فإن قطع أصبعه فتآكلت فذهبت كفه أقدته من الأصبع وأخذ أرش يده إلا أصبعا ولم ينتظره أيبرأ إلى مثل جنايته أم لا قال أبو عمر اتفق مالك وأبو حنيفة وأصحابهما وسائر الكوفيين والمدنيون على أنه لا يقتص من جرح ولا يبدي حتى يبرأ‏.‏

وقال الشافعي يقتص منه في الحال ولا ينتظر أن يبرأ والاختيار ما قاله مالك ومن تابعه على ذلك وهم أكثر أهل العلم وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من مرسل عكرمة ومرسل محمد بن طلحة بن يزيد بن عمرو بن ركانة ومن مرسل عمرو بن شعيب ذكره عبد الرزاق عن بن جريج عن عمرو بن دينار عن محمد بن طلحة بن ركانة وعن معمر عن أيوب عن عمرو بن شعيب وعن بن جريج عن عمرو بن شعيب وعن معمر عن من سمع عكرمة أن رجلا طعن رجلا بقرن في رجله فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال أقدني فقال حتى تبرأ قال أقدني قال حتى تبرأ ثم قال أقدني يا رسول الله ‏!‏ فأقاده ثم عرج وصح المستقاد منه فجاء المستقيد فقال عرجت يا رسول الله فقال لا شيء لك ألم أقل لك اصبر حتى تبرأ ‏!‏ وفي رواية أبعدك الله وأبطل عرجك عصيتني ألا تستقيد حتى يبرأ جرحك ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم من جرح ألا يستقاد حتى يبرأ جرحه وذكر هذا الخبر أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثني بن علية عن أيوب عن عمرو بن دينار عن جابر بن زيد أن رجلا طعن رجلا بقرن في ركبته فأتى النبي صلى الله عليه وسلم يستقيد فقال له حتى تبرأ فأبى وعجل واستقاد فعثمت رجله وبرئت رجل المستقاد منه فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال ليس لك شيء أبيت وروى الثوري عن عيسى بن المغيرة عن يزيد بن وهب أن عمر بن عبد العزيز كتب إلى طريف بن ربيعة وكان قاضيا بالشام أن صفوان بن المعطل ضرب حسان بن ثابت بالسيف فجاءت الأنصار إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا القود فقال النبي تنتظرون فإن يبرأ صاحبكم تقصوا وإن يمت نقدكم بعد في حسان فقالت الأنصار قد علمتم أن هدي النبي صلى الله عليه وسلم في العفو فعفوا وأعطاهم صفوان جارية وهي أم عبد الرحمن بن حسان قال أبو عمر هكذا في هذا الخبر أن صفوان بن المعطل أعطى حسان الجارية التي هي أم عبد الرحمن لما عفا عنه والمعروف عند أهل العلم بالخبر والسير وأكثر أهل الأثر أن النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي أعطى حسان بن ثابت إذ عفا عن صفوان بن المعطل الجارية المسماة سيرين وهي أخت مارية القبطية وكانت من هدية المقوقس صاحب مصر والإسكندرية إلى النبي صلى الله عليه وسلم فوهب رسول الله صلى الله عليه وسلم لحسان سيرين فأولدها عبد الرحمن بن سيرين واتخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم مارية لنفسه فولدت له إبراهيم ابنه‏.‏

وأما قوله إن كسر عظم من الإنسان يد أو رجل أو غير ذلك إلى آخر قوله فقد قال الشافعي فيما ذكر عنه المزني في كل عظم كسر سواء السن فإذا جبر مستقيما ففيه حكومة بقدر الألم والشين فإن جبر معيبا بنقص أو عوج أو غير ذلك زيد فيه حكومة بقدر شينه وضره وألمه ولا يبلغ به دية العظم لو قطع وقول أبي حنيفة وأصحابه نحو ذلك قال مالك وليس في الجراح في الجسد إذا كانت خطأ عقل إذا برأ الجرح وعاد لهيئته فإن كان في شيء من ذلك عثل أو شين فإنه يجتهد فيه إلا الجائفة فإن فيها ثلث دية النفس قال مالك وليس في منقلة الجسد عقل وهي مثل موضحة الجسد قال أبو عمر هذا قول الشافعي والكوفي والجمهور وقد أتفق مالك والثوري والأوزاعي وأبو حنيفة والشافعي وعثمان البتي أن الشجاج لا تكون إلا في الرأس والوجه من الذقن إلى ما فوقه وأن جراح الجسد ليس فيها عقل مسمى إلا الجائفة وخالفهم الليث فقال الموضحة إذا كانت في اليد تكون أيضا في الجنب إذا أوضحت عن عظم وهو قول يروى عن عمر بن الخطاب في الموضحة إذا كانت في اليد أو الأصبع فيها نصف عشر ذلك العضو من الجسد وعن عطاء وغيره مثله ذكر المزني وغيره عن الشافعي قال وفي كل جرح ما عدا الوجه والرأس حكومة إلا الجائفة ففيها ثلث النفس وهي التي تخرق إلى الجوف من بطن أو ظهر أو صدر أو ثغرة النحر كل هذا جائفة قال مالك الأمر المجتمع عليه عندنا أن الطبيب إذا ختن فقطع الحشفة إن عليه العقل وأن ذلك من الخطإ الذي تحمله العاقلة وأن كل ما أخطأ به الطبيب أو تعدى إذا لم يتعمد ذلك ففيه العقل قال أبو عمر يعني على العاقلة وهو قول أبي حنيفة والثوري والليث والشافعي وجمهور العلماء لأنه خطأ لا عمد وقد أجمعوا أن الخطأ ما لم يقصده الفاعل ولم يرده وأراد غيره وفعل الخاتن والطبيب في هذا المعنى وهذا معنى قول الشعبي وعطاء وعمرو بن دينار وشريح وذكر أبو بكر قال حدثني الثقفي عن أيوب عن أبي قلابة عن أبي المليح أن ختانة كانت بالمدينة ختنت جارية فماتت فجعل عمر ديتها على عاقلتها ومن أهل العلم من جعل ذلك في مال الحجام ومال الطبيب دون عاقلتهما وذكر عبد الرزاق قال أخبرنا بن جريج قال أخبرني عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز عن كتاب لعمر بن عبد العزيز فيه قال بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أيما متطبب لم يكن بالطب معروفا فتطبب على أحد من المسلمين بحديده النماس المثال له فأصاب نفسا فما دونها فعليه دية ما أصاب وعن عمر وعلي مثل ذلك وبه كان يقضي عمر بن عبد العزيز وهو أولى ما قيل في هذا الباب والله الموفق للصواب روى معمر عن أيوب عن أبي قلابة عن أبي المليح بن أسامة أن عمر بن الخطاب ضمن رجلا كان يختن الصبيان فقطع من ذكر الصبي فضمنه وهذا خلاف ما رواه الثقفي عبد الوهاب عن أيوب فلا تقوم لحديث أبي قلابة عن أبي المليح هذا حجة وروى مجاهد والضحاك بن مزاحم أن عليا رضي الله عنه خطب الناس فقال معشر الأطباء والمتطببين والبياطرة من عالج منكم إنسانا أو دابة فليأخذ لنفسه البراءة فإنه من عالج شيئا ولم يأخذ لنفسه البراءة فعطب فهو ضامن وقال يحيى بن أبي كثير خفضت امرأة جارية فأعنتها فماتت فضمنها علي رضي الله عنه الدية وروى أيوب عن أبي قلابة عن عمر رضي الله عنه مثله وقال معمر سمعت الزهري يقول كلاما معناه إن كان البيطار أو المتطبب أو الختان غر من نفسه وهو لا يحسن فهو كمن تعدى يضمن وإن كان معروفا بالعمل بيده فلا ضمان عليه إلا أن يتعدى وذكر أبو بكر قال حدثني إسماعيل عن هشام بن الغاز عن أبي قرة أن عمر بن عبد العزيز ضمن الخاتن قال‏.‏

وحدثني حفص بن غياث عن عبد العزيز بن عمر قال حدثني بعض الذين قدموا على أبي حين ولي قال قال النبي صلى الله عليه وسلم أيما طبيب تطبب على قوم ولم يعرف بالطب قبل ذلك فأعنت فهو ضامن قال أبو عمر أجمع العلماء على أن المداوي إذا تعدى ما أمر به ضمن ما أتلف بتعديه ذلك حدثني عبد الوارث بن سفيان قال حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني محمد بن وضاح قال حدثني دحيم قال حدثني الوليد عن بن جريج عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من تطبب ولم يعلم منه قبل ذلك الطب فهو ضامن‏.‏

وحدثني عبد الله بن محمد قال حدثني محمد بن بكر قال حدثني أبو داود قال حدثني نصر بن عاصم الأنطاكي ومحمد بن الصباح بن سفيان أن الوليد بن مسلم أخبرهم عن بن جريج عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من تطبب ولم يعلم منه طب فهو ضامن وقال نصر بن عاصم حدثني الوليد قال حدثني بن جريج‏.‏

باب عقل المرأة

1583- مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أنه كان يقول تعاقل المرأة الرجل إلى ثلث الدية إصبعها كإصبعه وسنها كسنه وموضحتها كموضحته ومنقلتها كمنقلته‏.‏

1584- مالك عن بن شهاب وبلغه عن عروة بن الزبير أنهما كانا يقولان مثل قول سعيد بن المسيب في المرأة أنها تعاقل الرجل إلى ثلث دية الرجل إلى النصف من دية الرجل قال مالك وتفسير ذلك أنها تعاقله في الموضحة والمنقلة وما دون المأمومة والجائفة وأشباههما مما يكون فيه ثلث الدية فصاعدا فإذا بلغت ذلك كان عقلها في ذلك النصف من عقل الرجل قال أبو عمر روى هذا الخبر عن سعيد بن المسيب جماعة كما رواه مالك منهم سفيان الثوري ومعمر وعبد الرزاق وعبد الوهاب الثقفي بمعنى واحد وما بلغ مالكا عن عروة مثله ذكر عبد الرزاق قال أخبرنا بن جريج قال أخبرني هشام بن عروة عن عروة أنه كان يقول دية المرأة مثل دية الرجل حتى تبلغ الثلث فإذا بلغت الثلث كانت ديتها مثل نصف دية الرجل حتى تكون ديتها في الجائفة والمأمومة مثل نصف دية الرجل قال‏.‏

وأخبرنا معمر عن الزهري أنه كان يقول دية المرأة والرجل سواء حتى تبلغ ثلث الدية وذلك في الجائفة فإذا بلغت ذلك فدية المرأة على النصف من دية الرجل قال‏.‏

وأخبرنا معمر عن هشام بن عروة مثله قال أبو عمر هذا مذهب جمهور أهل المدينة وروى وكيع وعبد الرزاق عن الثوري عن ربيعة عن أبي عبد الرحمن قال سألت سعيد بن المسيب قلت كم في إصبع من أصابع المرأة قال عشر من الإبل قال قلت كم في إصبعين قال عشرون قلت كم في ثلاث قال ثلاثون قلت كم في أربع قال عشرون قلت حين عظم جرحها واشتدت بليتها نقص عقلها قال أعراقي أنت قلت بل عالم متثبت أو جاهل متعلم قال هي السنة وفي رواية وكيع يا بن أخي ‏!‏ السنة ومعناها سواء قال‏.‏

وأخبرنا معمر عن ربيعة عن بن المسيب مثله قال‏.‏

وأخبرنا بن جريج قال‏.‏

وأخبرني ربيعة أنه سمع بن المسيب يقول يعاقل الرجل المرأة في ما دون ثلث ديته قال ولم أسمعه ينسبه إلى أحد قال أبو عمر اختلف الصحابة ومن دونهم في هذه المسألة فروي ما ذهب إليه سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير وبن شهاب فيها عن زيد بن ثابت وبه قال مالك وأصحابه والليث بن سعد وهو مذهب عمر بن عبد العزيز وعطاء وقتادة وروي ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم من مرسل عمرو بن شعيب وعكرمة وقول سعيد بن المسيب هي السنة يدل على أنه أرسله عن النبي صلى الله عليه وسلم وروي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال جراح المرأة على النصف من جراح الرجل في ما قل أو كثر وديتها مثل نصف دية الرجل وفي النصف ديته وروي ذلك عن بن مسعود أيضا والأشهر والأكثر عن بن مسعود أن المرأة تعاقل الرجل في جراحها إلى أرش السن والموضحة خمس من الإبل ثم تعود إلى النصف من دية الرجل وروي ذلك عن عثمان وهو قول شريح وروى وكيع قال حدثني زكريا وبن أبي ليلى عن الشعبي قال كان علي يقول دية المرأة في الخطأ على النصف من دية الرجل وجراحها مثل ذلك في ما دق وجل قال وكان بن مسعود يقول دية المرأة في الخطأ على النصف من دية الرجل وهما في الجراح إلى السن والموضحة سواء وروى عيينة عن زكريا عن الشعبي قال قال بن مسعود سن المرأة مثل سن الرجل وموضحتها مثل موضحته ثم يستويان على النصف وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه جراحات المرأة على النصف من جراح الرجل في ما دون النفس فيما دق وجل وقال زيد بن ثابت تساوي المرأة الرجل في عقلها إلى ثلث دية الرجل ثم هي على النصف من ديته‏.‏

وقال الشافعي وأبو حنيفة وأصحابهما والثوري بقول علي رضي الله عنه دية المرأة وجراحها على النصف من دية الرجل في ما قل أو كثر ذكر عبد الرزاق قال أخبرنا الثوري عن حماد عن إبراهيم عن علي رضي الله عنه قال جراحات المرأة على النصف من جراحات الرجل قال وقال بن مسعود يستويان في السن والموضحة وهي في ما سوى ذلك على النصف قال وكان زيد بن ثابت يقول تعاقله إلى الثلث قال‏.‏

وأخبرنا معمر عن بن أبي نجيح عن مجاهد عن علي مثله كما روى إبراهيم عنه وعن بن مسعود مثل حديث إبراهيم أيضا قال وكان زيد بن ثابت يقول تعاقله إلى الثلث قال‏.‏

وأخبرنا معمر عن بن أبي نجيح مثله كما روى إبراهيم عنه وعن بن مسعود مثل حديث إبراهيم أيضا قال وكان زيد بن ثابت يقول دية المرأة في الخطأ مثل دية الرجل حتى تبلغ ثلث الدية فما زاد فهي على النصف وذكر أبو بكر قال حدثني بن علية عن خالد عن أبي قلابة وعن زيد بن ثابت أنه قال يستويان إلى الثلث قال أبو عمر كان الحسن البصري وطائفة يقولون تعاقل المرأة الرجل حتى تبلغ النصف من ديته وتعود إلى النصف ذكر أبو بكر قال حدثني معمر عن بن عون عن الحسن قال تستوي جراحات النساء والرجال على النصف فإذا بلغت النصف فهي على النصف قال أبو عمر أجمعوا على أن دية المرأة نصف دية الرجل والقياس على أن يكون جراحها كذلك إن لم تثبت سنة يجب التسليم لها وبالله التوفيق‏.‏

1585- مالك أنه سمع بن شهاب يقول مضت السنة أن الرجل إذا أصاب امرأته بجرح أن عليه عقل ذلك الجرح ولا يقاد منه قال مالك وإنما ذلك في الخطأ أن يضرب الرجل امرأته فيصيبها من ضربه ما لم يتعمد كما يضربها بسوط فيفقأ عينها ونحو ذلك قال أبو عمر هو كما قال مالك في الخطأ لا خلاف فيه وقد ذكر عبد الرزاق عن الثوري عن إسماعيل بن أمية عن الزهري قال لا تقتص المرأة من زوجها قال سفيان ونحن نقول تقتص منه إلا في الأدب وقد ذكر هذه المسألة بعينها من قوله في باب القصاص بالجراح وسيأتي هنالك إن شاء الله عز وجل ما للعلماء في ذلك ونذكر ما بين أهل العلم أيضا من التنازع في القصاص بين الرجال والنساء إن شاء الله في باب القصاص في القتل والله أعلم قال مالك في المرأة يكون لها زوج وولد من غير عصبتها ولا قومها فليس على زوجها إذا كان من قبيلة أخرى من عقل جنايتها شيء ولا على ولدها إذا كانوا من غير قومها ولا على إخوتها من أمها إذا كانوا من غير عصبتها ولا قومها فهؤلاء أحق بميراثها والعصبة عليهم العقل منذ زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليوم وكذلك موالي المرأة ميراثهم لولد المرأة وإن كانوا من غير قبيلتها وعقل جناية الموالي على قبيلتها قال أبو عمر ما ذكره مالك في هذا الفصل لا خلاف بين العلماء فيه الدية عندهم على العاقلة والعاقلة العصبة والقبيلة والبطن والرهط لا يعقل على الإنسان من كان إلا قبيلته إذا قتل خطأ والميراث لمن فرضه الله سبحانه وتعالى له من الورثة من ذوي الفروض والعصبة إلا أن الدية لا يؤديها زوج ولا أخ لأم ولا من ليس بعصبة من القبيلة والموالي عندهم يجرون مجرى العصبات لأن الولاء نسب لا ينتقل وهذا كله أمر مجتمع عليه وسنة مسنونة معمول بها عند جمهور العلماء إلا أن منهم من يقول في المولى إذا أبى أن يعقل كان الولاء للمصاب المقتول خطأ ولم يرث ذلك عنه ومن قال العقل على من له الميراث فإنه يعني من الموالي ومنهم من يقول من عقل عنه كان الولاء له فإن لم يكن للمولى عصبة تحمل معه الجناية كان ذلك في بيت المال وجماعة الفقهاء على ما قدمت في الولاء أخبرنا عبد الله بن محمد قال حدثني محمد بن بكر قال حدثني أبو داود قال وجدت في كتابي عن شيبان ولم أسمعه منه فحدثني أبو بكر - صاحب لنا - ثقة قال أبو بكر بن داسة وهو أبو بكر أحمد بن محمد العطار الأيلي قال حدثني شيبان قال حدثني محمد - يعني بن راشد - قال حدثني سليمان بن موسى عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن عقل المرأة بين عصبتها من كانوا لا يرثون منه شيئا إلا ما فضل عن ورثته وإن قتلت فعقلها بين ورثتها وهم يقتلون قاتلها‏.‏

وحدثني سعيد بن نصر قال حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني محمد بن وضاح قال حدثني أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثني حفص عن الحجاج عن الحكم عن مقسم عن بن عباس قال كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابا بين المهاجرين والأنصار أن يعقلوا معاقلهم ويقدوا غائبهم والإصلاح بين المسلمين وقال أبو بكر حدثني عيسي بن يونس عن الأعمش عن إبراهيم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل العقل على العصبة قال‏.‏

وحدثني وكيع عن سفيان عن حماد عن إبراهيم قال اختصم علي والزبير في موالي صفية إلى عمر فقضى عمر بالميراث للزبير وبالعقل على علي رضي الله عنة قال‏.‏

وحدثني بن فضيل وجرير عن مغيرة عن إبراهيم قال الميراث للرحم والجريرة على من أعتق قال‏.‏

وحدثني كثير بن هشام عن جعفر بن برقان أن عمر بن عبد العزيز كتب لو لم يدع قرابة إلا مواليه كانوا أحق الناس بميراثه وأحمل العقل عليهم كما يرثونه وذكر عبد الرزاق عن بن جريج عن عطاء أن معاوية قال لموالي مولى إما أن تعقلوا عنه وإما أن تعقل ويكون مولانا قال عطاء إن أبى أهله أن يعقلوا عنه فهو مولى للمصاب وعن بن جريج عن عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز عن أبيه قال الدية على الأولياء في كل جريرة قال أبو عمر الذي عليه مذهب الفقهاء مالك والشافعي والثوري وأبي حنيفة أن العاقلة يجبرون على حمل الدية بقدر ما يطيقون ولم يجد مالك في ما يحمل الواحد منهم حدا وإنما ذلك عنده على قدر ما يسهل عليهم وسنذكر أقوالهم إذا ذكرنا اختلاف الفقهاء في العواقل في باب جامع العقل من كتابنا هذا إن شاء الله تعالى‏.‏

باب عقل الجنين

1586- مالك عن بن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن أبي هريرة أن امرأتين من هذيل رمت إحداهما الأخرى فطرحت جنينها فقضى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم بغرة عبد أو وليدة‏.‏

1587- مالك عن بن شهاب عن سعيد بن المسيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى في الجنين يقتل في بطن أمه بغرة عبد أو وليدة فقال الذي قضي عليه كيف أغرم ما لا شرب ولا أكل ولا نطق ولا استهل ومثل ذلك بطل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما هذا من إخوان الكهان قال أبو عمر هكذا روى مالك هذين الحديثين عن بن شهاب فأرسل عنه حديث ان المسيب وأسند عنه حديث أبي سلمة ولم يذكر في واحد منهما قتل المرأة وأظنه أسقطه لما فيه من القضاء بالدية على عاقلة المرأة القاتلة بالحجر وبالمسطح وهو العود وذلك شبه العمد وهو عنده باطل فكذلك -والله أعلم- لم يذكره في كتابه وقد ذكر ذلك غيره من رواية بن شهاب وقد رواه الليث بن سعد عن بن مسافر عن بن شهاب عن أبي سلمة عن أبي هريرة كما رواه مالك مسندا لم يذكر فيه قتل المرأة حدثني عبد الوارث بن سفيان قال حدثني قاسم قال حدثني روح بن الفرج القطان قال حدثني بن عفير قال حدثني الليث عن بن مسافر عن بن شهاب عن أبي سلمة عن أبي هريرة وخالفه قتيبة في إسناده عن الليث وسنذكره‏.‏

وأما يونس ومعمر فذكرا ذلك أخبرنا عبد الله بن محمد قال حدثني محمد بن بكر قال حدثني أبو داود قال حدثني وهب بن بيان وأحمد بن عمرو بن السرح قالا حدثني بن وهب قال أخبرني يونس عن بن شهاب عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة عن أبي هريرة قال اقتتلت امرأتان من هذيل فرمت إحداهما الأخرى بحجر فقتلتها فاختصموا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن دية جنينها غرة عبد أو وليدة وقضى بدية المرأة على عاقلتها وورثها ولدها ومن معهم فقال حمل بن مالك بن النابغة الهذلي يا رسول الله كيف أغرم ما لا أكل ولا شرب ولا نطق ولا استهل ومثل ذلك يطل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما هذا من إخوان الكهان من أجل سجعه الذي سجع قال أبو داود‏.‏

وحدثني قتيبة بن سعيد قال حدثني الليث عن بن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة في هذه القصة قال ثم إن المرأة التي قضى عليها بالغرة توفيت فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن ميراثها لبنيها والعقل على عصبتها قال أبو عمر هذا بين في أن شبه العمد على العاقلة وأن العقل على العصبة دون الورثة إلا أن يكون العصبة ورثة فيحملون من الدية بقدرهم وروى هذا الحديث معمر عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال اقتتلت امرأتان من هذيل فرمت إحداهما الأخرى بحجر فأصابت بطنها فقتلتها وأسقطت جنينا فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعقلها على عاقلة القاتلة وفي جنينها بغرة عبد أو وليدة قال أبو عمر احتج بهذه الأحاديث من أثبت شبه العمد وجعله على العاقلة ولم ير فيه قودا وشبه العمد هو أن يعمد الضارب إلى المضروب بحجر أو عصا أو سوط أو عمود أو ما الأغلب فيه أن لا يقتل مثله من الحديد وغيره على ما ذكرنا عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وغيرهم من العلماء في صفة شبه العمد في باب دية العمد إذا قبلت من هذا الكتاب وذكرنا هناك حديث بن جريج عن عمرو بن دينار عن طاوس عن بن عباس عن عمر أنه نشد الناس ما قضى به رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجنين فقام حمل بن مالك فقال كنت بين امرأتين فضربت إحداهما الأخرى بمسطح فقتلتها وجنينها فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنينها بغرة عبد وأن تقتل مكانها وهذه حجة لمالك ومن قال بقوله في نفي حكم شبه العمد وقالوا إن كل ما عمد به فهو عمد وفيه القود وقد اتفق على هذه الرواية عن بن جريج حجاج بن محمد الأعور وأبو عاصم الضحاك بن مخلد ولو انفرد واحد منهما بذلك لكان حجة فكيف وقد اتفقا على ذلك وتصحيح ذلك قضاء عمر به ذكر أبو بكر قال حدثني شريك عن زيدة بن جبيرة عن جروة بن حميل عن أبيه قال قال عمر يعمد أحدكم إلى أخيه فيضربه بمثل آكلة اللحم لا أوتي برجل فعل ذلك إلا أقدته منه وقال معمر عن الزهري في الضارب بالعصا عمدا إذا قتلت صاحبها قتل الضارب فإن قيل إن حديث بن جريج رواه الحميدي عن هشام بن سليمان عن بن جريج بإسناده ولم يقل فيه وأن تقتل المرأة قيل له من لم يرد كذا الشيء فليس بشاهد ولا حجة في ما قضى عنه فإن قيل إن بن عيينة قد روى هذا الحديث عن عمرو بن دينار عن طاوس عن بن عباس قال قال عمر أذكر الله امرءا سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى في الجنين فقام حمل بن مالك بن النابغة فقال يا أمير المؤمنين كنت بين جاريتين - يعني ضرتين - فضربت إحداهما الأخرى بالمسطح - عمود خبائها - فقتلتها وقتلت ما في بطنها فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجنين بغرة عبد أو أمة فقال عمر الله أكبر لو لم نسمع هذا قضينا بغيره فلم يذكر فيه بن عيينة قتل المرأة الضاربة بالمسطح قيل له ولا ذكر فيه أن ديتها على العاقلة وقد ذكره بن جريج ومن لم يذكر الشيء فقد قصر والحجة في ذكر من ذكر قال أبو عمر إلا أنه قد اختلف على حمل بن مالك في حديثه هذا وروى شعبة عن قتادة عن أبي المليح الهذلي عن حمل بن مالك قال كانت لي امرأتان فرمت إحداهما الأخرى فأصابتها فقتلتها وهي حامل فألقت جنينها فماتت فرفع ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالدية على العاقلة وقضى في الجنين بغرة عبد أو أمة أو مائة شاة أو عشرة من الإبل فحصل حديث حمل بن مالك بن النابغة الأعرابي الهذلي مختلفا فيه ولم يختلف الحديث عن أبي هريرة في ذلك إلا من قصر فلم يذكر دية المرأة وكذلك لم يختلف في ذلك أيضا في حديث المغيرة بن شعبة وهو حديث رواه الثوري وشعبة وجرير وغيرهم عن منصور عن إبراهيم عن عبيد بن نضلة الخزاعي عن المغيرة بن شعبة قال ضربت ضرة لها بعمود فسطاط فقتلتها فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بديتها على عصبة القاتلة ولما في بطنها غرة فقال الأعرابي يا رسول الله ‏!‏ أتغرمني من لا طعم ولا شرب ولا صاح ولا استهل مثل ذلك يطل فقال النبي صلى الله عليه وسلم أسجع كسجع الأعراب وروى سماك بن حرب عن عكرمة عن بن عباس هذا الخبر فيه فأسقطت غلاما قد نبت شعره ميتا وماتت المرأة فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم على العاقلة بالدية وروى عن مجالد عن الشعبي عن جابر أن امرأتين من هذيل فذكر الحديث وقال فيه فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم دية المقتولة على عاقلة القاتلة وبرأ زوجها وولدها فقال عاقلة المقتولة ميراثها لنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ميراثها لزوجها وولدها قال أبو عمر وعلى هذا جمهور الناس أن الميراث للورثة والعقل على العصبة ولم تختلف الروايات عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قضى في الجنين سقط ميتا يضرب بطن أمه وهي حية حين رمته بغرة عبد أو أمه هذا ما لم يختلف فيه أحد علمته واختلفت الروايات في الزيادة على قوله عليه السلام في الغرة عبد أو أمة روى بن عيينة قال أخبرني بن طاوس عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بغرة عبد أو أمة أو فرس وروى عيسى بن يونس عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجنين بغرة عبد أو أمة أو فرس أو بغل وهو قول مجاهد وطاوس وعطاء قالوا في الغرة عبد أو أمة أو فرس وقال بعضهم أو بغل ورفعه عطاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم كما رفعه طاوس وقد تقدم في حديث أبي المليح الهذلي عن حمل بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى في الجنين بغرة عبد أو أمة أو مائة شاة أو عشر من الإبل قال أبو عمر أجمع العلماء أن الغرة تجب في الجنين الذي يسقط من بطن أمه ميتا وهي حية في حين سقوطه وأن الذكر والأنثى في ذلك سواء في كل واحد منهما الغرة واختلفوا على من تجب الغرة في ذلك فقالت طائفة منهم مالك والحسن بن حي هي في مال الجاني وهو قول الحسن البصري والشعبي وقال آخرون هي على العاقلة وممن قال ذلك الثوري وأبو حنيفة والشافعي وأصحابهم وهو قول إبراهيم وبن سيرين وقد حدثني سعيد بن نصر قال حدثني قاسم قال حدثني محمد قال حدثني أبو بكر قال حدثني يونس بن محمد قال حدثني عبد الواحد بن زياد عن المجالد عن الشعبي عن جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل في الجنين غرة على عاقلة القاتلة وبرأ زوجها وولدها‏.‏

1588- مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن أنه كان يقول الغرة تقوم خمسين دينارا أو ستمائة درهم ودية المرأة الحرة المسلمة خمسمائة دينار أو ستة آلاف درهم قال مالك فدية جنين الحرة عشر ديتها والعشر خمسون دينار أو ستمائة درهم قال أبو عمر العلماء القائلون بأن الدية من الذهب ألف دينار على ما فرضها عمر لا يختلفون فيها ذكر ربيعة ومالك أن دية الجنين عشر دية أمه خمسون دينارا وهم جمهور علماء الحجاز والعراق‏.‏

وأما من راعى في الدية قيمة الإبل غلت أو رخصت فقال منهم قائلون الغرة عبد أو أمة أقلها بنت سبع سنين أو ثماني سنين وهو أحد قولي الشافعي قال ليس على الذي تجب عليه له أن يقبلها معيبا وقال داود وأهل الظاهر كل ما وقع عليه اسم غرة أجزأ إلا أن يتفق الجميع على سن ما أنه لا يجزئ‏.‏

وأما قوله أو ستمائة درهم فهو مذهب الحجازيين القائلين بأن الدية من الدراهم اثنا عشر ألف درهم ونصفها دية المرأة ستة آلاف درهم عشرها ستمائة درهم وهو مذهب مالك والشافعي وأصحابهما وأهل المدينة‏.‏

وأما الكوفيون أبو حنيفة وأصحابه والثوري فقالوا قيمة الغرة خمسمائة درهم وهذا على أصولهم في أن دية المرأة خمسة آلاف درهم وهو مذهب سلفهم أصحاب بن مسعود وغيرهم قال مالك ولم أسمع أحدا يخالف في أن الجنين لا تكون فيه الغرة حتى يزايل بطن أمه ويسقط من بطنها ميتا قال مالك وسمعت أنه إذا خرج الجنين من بطن أمه حيا ثم مات أن فيه الدية كاملة قال أبو عمر هذا كله من قوله إجماع لا خلاف بين العلماء فيه أن الجنين لا يجب فيه شيء حتى يزايل بطن أمه وأنها لو ماتت وهو في جوفها لم يجب فيه شيء وأنه داخل في حكمها من دية أو قصاص وكذلك أجمعوا أنه إذا خرج حيا ثم مات من ضرب بطن أمه أن فيه الدية كاملة منهم من يقول بقسامة وهو مالك ومنهم من لا يوجب فيه قسامة وهو الكوفي وعلى ضارب بطن أمه مع ذلك الكفارة هذا كله لم يختلف فيه واختلوا في الكفارة على من تجب عليه الغرة دون الدية الكاملة فذهب الشافعي إلى أن الغرة واجبة على الجاني مع الكفارة وروي ذلك عن عمر وبه قال الحسن وإبراهيم وعطاء والحكم والكفارة عتق رقبة‏.‏

وقال أبو حنيفة لا كفارة فيه واستحسن مالك الكفارة هنا ولم يوجبها لأنه قال مرة في من ضرب بطن امرأة فألقت جنينها هو عمد في الجنين خطأ في الأم ومرة قال هو عمد في الأم خطأ في الجنين قال مالك ولا حياة للجني إلا بالاستهلال فإذا خرج من بطن أمه فاستهل ثم مات ففيه الدية كاملة قال أبو عمر قد أعلمتك بإجماعهم في الجنين تلقيه أمه حيا ثم يموت‏.‏

وأما علامة حياته فاختلف العلماء من السلف والخلف فيه فالذي ذهب إليه مالك وأصحابه أنه لا تعلم حياته إلا بالاستهلال وهو الصياح أو البكاء المسموع‏.‏

وأما حركة أو عطاس فلا وهو قول جماعة منهم بن عباس وشريح وقتادة ذكر وكيع قال حدثني إسرائيل عن سماك عن عكرمة عن بن عباس قال استهلاله صياحه وقاله إبراهيم وغيره وذكر أبو بكر قال حدثني جرير عن منصور عن إبراهيم قال ولدت امرأة ولدا فشهد نسوة أنه اختلج وولد حيا ولم يشهدن على الاستهلال فأبطل شريح ميراثه لأنهن لم يشهدن على الاستهلال وذكر عبد الرزاق قال أخبرنا معمر قال أخبرني سعيد بن أبي عروبة قال سمعت قتادة يقول لو خرج تاما ومكث الروح فيه ثلاثا ما ورثته حتى يستهل‏.‏

وقال الشافعي وأبو حنيفة وأصحابهما والثوري وأكثر الفقهاء إذا علمت حياته بحركة أو عطاس أو استهلال أو رضاع أو غير ذلك مما يستيقن به حياته ثم مات ففيه الدية كاملة وعتق رقبة قال معمر عن الزهري لا يرث الجنين ولا يتم عقله حتى يستهل قال وإن عطس فهو عندي بمنزلة الاستهلال وروى مكحول عن زيد بن ثابت قال في السقط يقع فيتحرك قال كملت ديته استهل أو لم يستهل وروى معن بن عيسى عن بن أبي ذئب عن الزهري قال أرى العطاس استهلالا وذكر أبو بكر قال حدثني بن مهدي عن سليمان بن بلال عن يحيى بن سعيد عن القاسم بن محمد قال الاستهلال البكاء أو العطاس واختلفوا في السقط الذي تطرحه أمه المضروب بطنها فقال مالك كل ما طرحته من مضغة أو علقة أو ما يعلم أن يكون ولد ففيه الغرة وهو قول أبي حنيفة‏.‏

وقال الشافعي لا شيء فيه من غرة ولا غيرها حتى يستبين شيء من خلقته أصبع أو ظفر أو عين أو ما أشبه ذلك مما يفارق فيه المضغة والدم والعلقة وزاد في كتاب أمهات الأولاد قال فإن أسقطت خلقا مجتمعا لا يستبين أن يكون له خلق سألنا عدولا من النساء فإن زعمن أن هذا لا يكون إلا خلق الآدميين كانت له أم ولد وإن شككن لم تكن له أم ولد قال مالك ونرى أن في جنين الأمة عشر ثمن أمه قال أبو عمر يريد جنين الأمة من غير سيدها لأن جنين الأمة من سيدها لم يختلف العلماء أن حكمه حكم جنين الحرة واختلفوا في جنين الأمة اختلافا كثيرا فذهب مالك والشافعي وأصحابهما إلى أن في جنين الأمة عشر قيمة أمه ذكرا كان أو أنثى قال الشافعي يوم جنى عليها قال وهو قول المدنيين يعني عشر قيمة أمه ذكرا كان أو أنثى لأن النبي صلى الله عليه وسلم قضى في الجنين بغرة ولم يفرق بين ذكر أو أنثى قال المزني القياس على أصله عشر قيمة أمه يوم تلقيه واحتج بذلك لمسائل من قوله قال لا أعرف أن يدفع عن الغرة قيمة إلا أن تكون لموضع لا توجد فيه قال المزني أصله في الدية الإبل لأن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بها فإن لم توجد فقيمتها وكذلك الغرة إذا لم توجد فقيمتها قال وإنما قلت أن لا يقبلها دون سبع سنين أو ثماني سنين لأنها لا تستغني بنفسها دون هذا السن ولا يفرق بينها إلا في حد أسن وأعلى‏.‏

وقال أبو حنيفة وأصحابه إن خرج جنين الأمة من غير سيدها حيا ثم مات ففيه قيمته قال أبو عمر وهذا لم يختلفوا فيه قال وإن خرج ميتا فإن كان ذكرا كان فيه نصف عشر قيمته لو كان حيا وإن كانت أنثى كان فيها عشر قيمتها لو كانت حية وقال الطحاوي هذا قول أبي حنيفة ومحمد ولم يجد محمد عن أبي يوسف في ذلك خلافا قال وبه نأخذ وروى أصحاب الإملاء عن أبي يوسف في جنين الأمة إذا ألقته ميتا فأنقص أمه كما يكون في أجنة البهائم قال أبو عمر قد احتج الشافعي على محمد بن الحسن في تفرقتهم بين الذكر والأنثى في الجنين تطرحه أمه ميتا فأحسن ذكره المزني عنه وقال أبو بكر سمعت وكيعا يقول قال سفيان نحن نقول إن كان غلاما فنصف عشر قيمته وإن كانت جارية فعشر قيمتها لو كانت حية قال أبو عمر هذا قول أبي حنيفة ومحمد وهو قول إبراهيم وقال الحسن كقول مالك والشافعي عشر ثمن أمه رواه عنه يونس وهشام وقال معمر عن الزهري جنين الأمة في ثمن أمه بقدر جنين الحرة في دية أمه وقال الحكم كانوا يأخذون جنين الأمة في جنين الحرة ذكره أبو بكر عن يزيد بن هارون عن الأشعث عن الحكم وروى الزهري عن سعيد بن المسيب قال في جنين الأمة عشرة دنانير وقال حماد في جنين الأمة حكومة قال مالك وإذا قتلت المرأة رجلا أو امرأة عمدا والتي قتلت حامل لم يقد منها حتى تضع حملها قال أبو عمر هذا إجماع من العلماء وسنة مسنونة لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يرجم الحامل المعترفة بالزنى حتى وضعت قال مالك وإن قتلت المرأة وهي حامل عمدا أو خطأ فليس على من قتلها في جنينها شيء فإن قتلت عمدا قتل الذي قتلها وليس في جنينها دية وإن قتلت خطأ فعلى عاقلة قاتلها ديتها وليس في جنينها ‏(‏دية‏)‏ قال أبو عمر قد ذكرنا أنهم لا يختلفون أن الجنين لا يعتبر له حكم ولا يراعي حتى تلقيه أمه من الضرب حيا أو ميتا فتكون فيه مع الحياة دية وفي الغرة إن ألقته ميتا كما ذكرنا وبالله توفيقنا‏.‏

1589- سئل مالك عن جنين اليهودية والنصرانية يطرح فقال أرى أن فيه عشر دية أمه قال أبو عمر هو قول الشافعي‏.‏

وأما الكوفي فقال جنين الذمية يهودية كانت أو نصرانية أو مجوسية كجنين المسلمة سواء وهو قول الأوزاعي وهذا على أصلهم في دية الذمي أنها كدية المسلم وأنه بقتل المسلم بالذمي كما يقتل الذمي به‏.‏

وأما مالك والشافعي فلا يقتل عندهما مسلم بكافر إلا أن دية اليهودي والنصراني عند مالك نصف دية المسلم وعند الشافعي ثلث دية المسلم واتفقا على أن دية المجوسي ثمانمائة درهم وسنذكر ذلك كله في موضعه إن شاء الله تعالى واختلفوا في الجنين يخرج من بطن أمه ميتا وهي قد ماتت من ضرب بطنها فقال مالك والشافعي وأصحابهما لا شيء فيه من غرة ولا غيرها إذا ألقته بعد موتها ميتا وقال ربيعة والليث بن سعد فيه الغرة وروي ذلك عن الزهري قال أبو عمر قول أشهب في هذا كقول الليث وقد أجمعوا أنها لو ماتت من الضرب ولم تلق الجنين أنه لا شيء فيه وكذلك أجمعوا أنه لو ضرب بطن امرأة ميتة فألقت جنينا ميتا أنه لا شيء فيه فالقياس أنه لا شيء فيه إذا ألقته ميتا وهي ميتة وإن كان الضرب وهي حية والله أعلم واختلفوا في ميراث الغرة من يستحقه فاتفق مالك والشافعي وأبو حنيفة وأصحابهم أنها مورثة عن الجنين وحجتهم أن الغرة عن الجنين لا عن عضو من أعضاء الأم لأنهم قد أجمعوا أنها لو قطع يدها خطأ فماتت من ذلك لم تكن لليد دية ودخلت في النفس ولو ضرب بطنها فألقت جنينا ميتا ثم ماتت من الضربة وجبت الدية والغرة ولم تدخل الغرة في الدية فدل ذلك على أن الجنين منفرد بحكمه دون أمه فوجب أن تكون ديته موروثة عنه كسائر الديات وإذا صح هذا بطل قول من جعلها للأم خاصة وقال ربيعة والليث الدية للأم خاصة كعضو من أعضائها وقد روي عن ربيعة والزهري أن دية الجنين موروثة على فرائض الله تعالى قال أبو عمر قد تقدم لمالك أنه يوجب القسامة في الجنين أنه ما مات من ضرب بطن أمه‏.‏

وقال الشافعي في كتاب الديات والجنايات إن قامت البينة أنها لم تزل شاكية موجعة من الضرب حتى طرحته لزمت الجناية الجاني ويغرمها من يغرم دية الخطأ وإن لم تقم البينة حلف الجاني وبرئ‏.‏

باب ما فيه الدية كاملة

1590- مالك عن بن شهاب عن سعيد بن المسيب أنه كان يقول في الشفتين الدية كاملة فإذا قطعت السفلى ففيها ‏(‏ثلثا‏)‏ الدية قال أبو عمر أجمع العلماء من السلف والخلف أن في الشفتين الدية‏.‏

وأما ما قاله سعيد بن المسيب في السفلى الدية فهو مذهب زيد بن ثابت وهو قول طائفة من علماء التابعين ذكر أبو بكر قال حدثني يزيد بن هارون عن مكحول عن زيد بن ثابت قال في الشفة السفلى ثلثا الدية لأنها تحبس الطعام والشراب وفي العليا ثلث الدية وممن قال بقول زيد بن ثابت في ذلك سعيد بن المسيب ومكحول وعطاء والشعبي في رواية الشيباني عنه وروى عنه زكريا الشفتان سواء في كل واحدة منهما نصف الدية وهو قول الحسن وإبراهيم وقتادة ومجاهد وقد روى عن مجاهد تفضل السفلى على العليا بالتغليظ ولا تفضل بالزيادة في العدد واتفق مالك والشافعي وأبو حنيفة وأصحابهم على أن في الشفتين الدية وأن في كل واحدة منهما نصف الدية ولا تفضل السفلى غيرها‏.‏

1591- مالك أنه سأل بن شهاب عن الرجل الأعور يفقأ عين الصحيح فقال بن شهاب إن أحب الصحيح أن يستقيد منه فله القود وإن أحب فله الدية ألف دينار أو اثنا عشر ألف درهم قال أبو عمر هذا في العمد له القود إن شاء لقول الله تعالى ‏(‏والعين بالعين‏)‏ ‏[‏المائدة 45‏]‏‏.‏

وجعل بن شهاب المفقوء العين مخيرا على الأعور الذي فقأ عينه إن شاء فقأ عينه وإن شاء أخذ منه ألف دينار دية عينه وهو مذهب عمر وعثمان وبن عمر في عين الأعور الدية كاملة إذا فقئت خطأ وسيأتي ذكر فقء عين الأعور خطأ في آخر هذا الباب إن شاء الله تعالى ولم يختلف في ذلك قول مالك واختلف قوله في هذه المسألة فقال مرة ليس للصحيح الذي فقئت عينه إلا دية عينه خمسمائة دينار كما لو فقأها غير أعور وعفي عنه على الدية قال بن القاسم ثم رجع عن ذلك فقال يأخذ دية عين الأعور الذي ترك له ألف دينار قال بن القاسم وقوله الآخر أعجب إلي وقال بن دينار والمغيرة بقوله الأول‏.‏

وقال الشافعي الصحيح الذي فقئت عينه مخير إن شاء فقأ عين الأعور وإن شاء أخذ دية عين نفسه خمسين من الإبل ليس له غير وهذا كقول بن دينار والمغيرة سواء قال الشافعي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في العين خمسون وقال في العينين الدية وليس لأحد أن يجعل في إحداهما الدية وقال الكوفيون الصحيح الذي فقئت عينه ليس بمخير وإنما له القصاص من الأعور أو يصطلحان على ما شاء وللسلف في هذا أقوال ذكر عبد الرزاق قال أخبرنا بن جريج عن محمد عن أبي عياض أن عمر وعثمان اجتمعا على أن الأعور إن فقأ عين صحيح فعليه مثل دية عينه ولا قود عليه قال وقال علي القصاص في كتاب الله تعالى ‏(‏والعين بالعين‏)‏ ‏[‏المائدة 45‏]‏‏.‏

وقد علم أنه يكون هذا وغيره فعليه القصاص ذكر أبو بكر قال حدثني حفص عن داود عن عامر في أعور فقأ عين صحيح قال العين بالعين وقال‏.‏

وحدثني غندر عن شعبة عن مغيرة عن إبراهيم مثله وروى سعيد عن قتادة عن أبي عياض أن عثمان قضى في رجل أعور فقأ عين صحيح فقال عليه دية عينه وهي دية عينين ولا قود عليه قال قتادة وقال ذلك بن المسيب في العمد والخطأ لا يستقاد من أعور وعليه الدية كاملة وروى معمر عن الزهري عن قتادة قالا إذا فقأ الأعور عين الصحيح عمدا غرم ألف دينار وإن فقأها خطأ غرم خمسمائة دينار وروى بن جريج عن عطاء في أعور أصاب عين إنسان عمدا قال ما أرى أن يقاد منه أرى له الدية كاملة قال أبو عمر كأنه كره أن يأخذ عين الأعور وحدها بعيني الصحيح اللتين فقأهما وكره أن يغرمه مع عينه التي ليس له غيرها دية عين فقضى الصحيح بدية عينيه معا ودفع القصاص‏.‏

1592- مالك أنه بلغه أن في كل زوج من الإنسان الدية كاملة وأن في اللسان الدية كاملة وأن في الأذنين إذا ذهب سمعهما الدية كاملة اصطلمتا أو لم تصطلما وفي ذكر الرجل الدية كاملة وفي الأنثيين الدية كاملة‏.‏

1593- مالك أنه بلغه أن في ثديي المرأة الدية كاملة قال مالك وأخف ذلك عندي الحاجبان وثديا الرجل قال أبو عمر أما قوله في كل زوج من الإنسان الدية كاملة فهذا في مذهبه وقوله على الأكثر والأغلب لأنه لا يجعل على الحاجبين الدية ولا في ثديي الرجل ولا في الأذنين إذا لم يذهب سمعهما وغيره يجعل في ذلك الدية‏.‏

وأما قوله في اللسان الدية فقد روى ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن أصحابه وعليه جماعة العلماء ومذاهب أئمة الفتوى إذا قطع كله أو ما يمنع الكلام منه فإن لم يمنع ما قطع منه شيئا من الكلام ففيه حكومة فإن منع ما قطع منه بعض الكلام ففيه بحساب ما منع منه يعتبر بحروف الفم هذا كله في الخطأ واختلفوا في القصاص في اللسان فمن لم ير فيه القصاص وهم مالك والشافعي وأبو حنيفة وأصحابهم يرون فيه الدية على ما وصفنا في مال الجاني عمدا في أحد قولي مالك والأشهر عنه أنه على العاقلة وعند الشافعي والكوفي في مال الجاني وقال الليث وغيره في اللسان القصاص يعني في العمد‏.‏

وأما قوله وأن في الأذنين الدية إذا ذهب سمعهما فقد اختلف في الأذنين واختلف في ذهاب السمع أيضا فالذي رواه بن القاسم عن مالك في السمع الدية إذا ذهب من الأذنين جميعا وفي قطع الأذنين حكومة وهو رواية بن عبد الحكم عن مالك نحو ذلك لأنه قال ليس في إشراف الأذنين إلا حكومة وروى أهل المدينة عن مالك أنه قال في الأذنين إذا اصطلمتا الدية وإن لم يذهب السمع ولم يختلف عن مالك أن في ذهاب السمع الدية‏.‏

وقال الشافعي وأبو حنيفة وأصحابهما والثوري والليث بن سعد في الأذنين الدية وفي السمع الدية قال أبو عمر روي عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه من وجوه أنه قضى في الأذن بخمس عشرة من الإبل وقال إنه لا يضر السمع ويسترهما الشعر والعمامة وروي عن عمر وعلي وزيد أنهم قضوا في الأذن إذا استؤصلت بنصف الدية وروي عن بن مسعود مثله قال معمر والناس على هذا‏.‏

وأما ذهاب السمع فروي عن مجاهد أنه قال في ذهاب السمع خمسون وهذا يحتمل أن يكون في الأذن الواحدة وقال عطاء لم يبلغني في ذهاب السمع شيء قال أبو عمر جمهور العلماء على أن في ذهاب السمع الدية‏.‏

وأما قوله في ذكر الرجل الدية فإن العلماء مجمعون على أن في الذكر الصحيح الذي يمكن به الوطء الدية كاملة وفي الحشفة الدية كاملة لم يختلفوا في ذلك واختلفوا في ذكر الخصي وذكر العنين كما اختلفوا في لسان الأخرس وفي اليد الشلاء فمنهم من جعل في ذكر الخصي والعنين حكومة ومنهم من قال فيه الدية كاملة ومنهم من قال فيه ثلث الدية وكذلك اختلافهم في لسان الأخرس والذي عليه الفقهاء في ذكر الخصي والعنين حكومة وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من مرسل الزهري وغيره وعن عمر وعلي وعبد الله وزيد في الذكر الدية وفي الحشفة الدية واختلف الفقهاء في قطع باقي الذكر بعد الحشفة بما ليس كتابنا موضعا لذكره‏.‏

وأما قوله وفي الأنثيين الدية فروي ذلك عن عمر وعلي وزيد وبن مسعود وهؤلاء فقهاء الصحابة ولا مخالف لهم من التابعين ولا من غيرهم كلهم يقولون في البيضتين الدية وفي كل واحدة منهما نصف الدية وعلى هذا مذهب أئمة الفتوى بالأمصار إلا سعيد بن المسيب فإنه روي عنه من وجوه أنه قال في البيضة اليسرى ثلثا الدية لأن الولد يكون منها وفي اليمنى ثلث الدية حدثني أحمد بن عبد الله قال حدثني أبي قال حدثني عبد الله بن يونس قال حدثني بقي بن مخلد قال حدثني أبو بكر قال حدثني إسماعيل بن إبراهيم عن داود عن سعيد بن المسيب قال في البيضة اليسرى ثلثا الدية وفي اليمنى الثلث قلت لم قال لأن اليسرى إذا ذهبت لم يولد له وإذا ذهبت اليمنى ولد له‏.‏

وأما قوله أنه بلغه أن في ثدي المرأة الدية كاملة فعلى هذا جماعة أئمة الفتوى بالأمصار والفقهاء بالحجاز والعراق وأتباعهم وجمهور التابعين كلهم يقولون في ثدي المرأة ديتها وفي كل واحد منهما نصف ديتها وفي حلمتيها ديتها كاملة لأنه لا يكون الرضاع إلا بهما وفي كل واحدة منهما نصف الدية وروي ذلك عن زيد بن ثابت وجماعة من تابعي المدينة ومكة والكوفة إلا في الحلمتين فإنه روي فيهما عن زيد وغيره أشياء مضطربة وعن أبي بكر الصديق في ثدي المرأة شيء لا يصح عنه خلاف ما اجتمع عليه الفقهاء وروى معن بن عيسى عن بن أبي ذئب عن الزهري أنه سئل عن ثديي المرأة فقال فيهما الدية وفي ثدي المرأة نصف الدية وإذا أصيب بعضه ففيه حكومة العدل المجتهد‏.‏

وأما قوله وأخف ذلك عندي الحاجبان وثديا الرجل قال أبو عمر مذهب مالك رحمه الله أن في الحاجبين حكومة وكذلك في ثدي الرجل حكومة وفي جفون العينين حكومة وفي أشفارها حكومة وفي شعر الرأس واللحية إذا حلقا ولم ينبت حكومة وقال بن القاسم لا قصاص في حلق الرأس ولا اللحية وفيهما الأدب‏.‏

وقال الشافعي في شعر الرأس واللحية والحاجبين وأهداب العينين حكومة‏.‏

وقال أبو حنيفة في الحاجبين الدية وفي إحداهما نصف الدية وفي أشفار العينين الدية وفي كل واحد منهما ربع الدية قال أبو عمر روي عن بن مسعود أنه قال ما كان في الأنثيين في الإنسان ففيهما الدية وفي كل واحد منهما نصف الدية وروي عن سعيد بن المسيب وشريح والشعبي وإبراهيم والحسن في الحاجبين الدية وفي كل واحد منهما نصف الدية وروي عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - من وجه لا يثبت في اللحية إذا حلقت ولم تنبت الدية قال أبو عمر الدية لا تصح ولا تثبت في عضو من الأعضاء ولا في النفس إلا بتوقيف ممن يجب التسليم له ولم يجمعوا في الحاجبين ولا في شعر اللحية والرأس على شيء والقياس أن يكون في كل ما لم يصح فيه توقيف حكومة والله أعلم ومن أحسن ما قيل في الأجفان ما روى الشيباني عن الشعبي قال في الأجفان في كل جفن ربع الدية وروى عنه داود بن أبي هند قال في الجفن الأسفل الثلثان وفي الأعلى الثلث‏.‏

وحدثني أحمد بن عبد الله عن أبيه عن عبد الله عن بقي عن أبي بكر قال حدثني عبد الله بن نمير عن محمد بن إسحاق عن مكحول قال كانوا يجعلون في جفني العين إذا أخذتا عن العين الدية وذلك أنه لا بقاء للعين بعدهما فإن تفرقا جعل في الأسفل الثلث وفي الأعلى الثلثين وذلك أجزى عن العين من الأسفل بسترها ويكف عنهما وهو قول الشافعي والكوفي وأحمد في الأجفان قال مالك الأمر عندنا أن الرجل إذا أصيب من أطرافه أكثر من ديته فذلك له إذا أصيبت يداه ورجلاه وعيناه فله ثلاث ديات قال أبو عمر لا أعلم في هذا خلافا بين العلماء والحمد لله قال مالك في عين الأعور الصحيحة إذا فقئت خطأ إن فيها الدية كاملة قال أبو عمر في عين الأعور تصاب خطأ قولان للعلماء أحدهما نصف الدية والثاني الدية كاملة وإليه ذهب مالك وأصحابه وجماعة من أهل المدينة وغيرهم من السلف وهو قول الليث وروى معمر عن الزهري وقتادة قالا إذا فقئت عين الأعور خطأ ففيها الدية كاملة ألف دينار وروى بن جريج عن بن شهاب في عين الأعور تفقأ خطأ قال فيها الدية كاملة ألف دينار قلت عن من قال لم نزل نسمعه وقال بن جريج - وقال ذلك ربيعة - قال بن جريج وحديث عن سعيد بن المسيب أن عمر وعثمان - رضي الله عنهما - قضيا في عين الأعور بالدية تامة وروى قتادة عن أبي مجلز عن عبد الله بن صفوان أن عمر بن الخطاب قضى في عين أعور بالدية كاملة ذكره عبد الرزاق عن عثمان بن مطر عن سعيد عن قتادة ورواه وكيع عن هشام عن قتادة وروى معمر عن الزهري عن سالم عن بن عمر قال إذا فقئت عين الأعور ففيها الدية كاملة وذكر أبو بكر قال حدثني أبو أسامة عن سعيد عن قتادة عن أبي عياض أن عثمان قضى في أعور أصيبت عينه الصحيحة بالدية كاملة قال‏.‏

وحدثني يزيد عن سعيد عن قتادة عن سعيد بن المسيب في أعور فقئت عينه قال فيها الدية كاملة‏.‏

وقال الشافعي وأبو حنيفة وأصحابهما والثوري وعثمان البتي في عين الأعور الصحيحة إذا فقئت نصف الدية وهو قول عبد الله بن معقل وشريح القاضي ومسروق والشعبي وإبراهيم وعطاء ذكر عبد الرزاق عن بن التيمي عن إسماعيل بن أبي خالد عن أبي الضحى قال سئل عبد الله بن معقل عن الرجل يفقأ عين الأعور فقال ما أنا فقأت عينه الأخرى ليس له إلا نصف الدية وروى بن عيينة عن إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي عن عبد الله بن مغفل أنه قال في الأعور يفقأ عين الصحيح قال تفقأ عين الذي فقأ عينه قال ما أنا فقأت عينه الأخرى قال الله عز وجل ‏(‏والعين بالعين‏)‏ ‏[‏المائدة 45‏]‏‏.‏

وروى الثوري عن فراس عن الشعبي عن مسروق في عين الأعور تصاب قال أنا أدي قتيل الله فيها نصف الدية دية عين واحدة والآثار عن سائر من ذكرنا في كتاب أبي بكر صحاح كلها إلا أنه ليس فيهم من الصحابة أحد وقد احتج قائلوا هذا القول بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في كتابه لعمرو بن حزم وغيره في العين خمسون ولم يخص أعور من غير أعور وبإجماع على أن من قطع يد رجل مقطوع اليد خطأ أو رجله ليس عليه إلا دية رجل واحدة أو يد واحدة قال بن القاسم عن مالك إذا كان الرجل ذاهب السمع من إحدى أذنيه فضرب إنسان الأذن الأخرى فأذهب سمعه فعليه نصف الدية قال وكذلك الرجلين واليدين إذا قطع إنسان الثانية منهما لم يكن عليه إلا نصف الدية قال بن القاسم وإنما قال ذلك مالك في عين الأعور دون غيرها قال أبو عمر لم يجمعوا في اليد لأن الأوزاعي قال إذا أصيبت يد رجل في سبيل الله ثم أصاب رجل الأخرى ففيها الدية كاملة قال وإن كان أخذ لها ديتها ففي الأخرى نصف الدية قال وكذلك عين الأعور قال أبو عمر القياس أنه لا يلزم الجاني إلا جنايته لا جناية غيره وإذا كان ذلك فلا فرق بين أن يأخذ الأعور لعينه دية أو لا يأخذ وكذلك اليد لأنه لا يعتبر في فعل الإنسان فعل غيره وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في اليد خمسون قال أبو عمر قول مالك أولى ما قيل به في هذا الباب من جهة الاتباع لعمر وعثمان وبن عمر وبالله التوفيق قال أبو عمر أحسن ما روي فيمن ضرب عين غيره فذهب بعض بصره عمدا وبقي بعض ما رواه سنيد قال حدثنا عباد بن العوام عن عمر بن عامر عن قتادة عن سعيد بن المسيب أن رجلا أصاب عين رجل فذهب بعض بصره وبقي بعضه فرفع ذلك إلى علي رضي الله عنه فأمر بعينه الصحيحة فعصبت وأعطي رجل بيضة فانطلق بها وهو ينظر حتى انتهى بصره فأمر علي فخط عند ذلك خطا علما ثم أمر بعينه الأخرى فعصبت وفتحت الصحيحة وأعطى رجل بيضة فانطلق بها وهو ينظر حتى انتهى بصره ثم خط عند ذلك علما وعرف ما بين الموضعين من المسافة ثم أمر به فحول إلى مكان وفعل به مثل ذلك ثم قاس فوجد مثل ذلك سواء فأعطاه بقدر ما نقص من بصره من مال الجاني عليه‏.‏

باب ما جاء في عقل العين إذا ذهب بصرها

1594- مالك عن يحيى بن سعيد عن سليمان بن يسار أن زيد بن ثابت كان يقول في العين القائمة إذا طفئت مائة دينار قال مالك الأمر عندنا في العين القائمة العوراء إذا طفئت وفي اليد الشلاء إذا قطعت إنه ليس في ذلك إلا الاجتهاد وليس في ذلك عقل مسمى قال أبو عمر خالف مالكا في إسناد هذا الحديث سفيان الثوري وغيره ذكر عبد الرزاق عن الثوري عن يحيى بن سعيد عن بكير بن عبد الله بن الأشج عن سليمان بن يسار أن زيد بن ثابت قضى في العين القائمة إذا محقت مائة دينار وذكر أبو بكر قال حدثني حفص وعبد الرحيم عن يحيى بن سعيد عن بكير بن عبد الله بن الأشج عن سليمان بن يسار عن زيد بن ثابت أنه قضى في العين القائمة إذا طفئت مائة دينار وروى بن عيينة قال حدثني يحيى بن سعيد وإسماعيل بن أمية عن بكير بن عبد الله بن الأشج عن سليمان بن يسار عن زيد بن ثابت أنه قضى في العين القائمة التي لا يبصر بها صاحبها إذا بخصت بمائة دينار - يعني إذا أطفئت - فأسقط مالك من إسناد هذا الحديث بكير بن الأشج وهو الراوي له عن سليمان بن يسار سماعا ذكر عبد الرزاق قال أخبرنا بن جريج قال أخبرنا إسماعيل بن أمية أن بكير بن الأشج أخبره أنه سمع سليمان بن يسار يحدث عن زيد بن ثابت قال في العين القائمة عشر الدية مائة دينار وقد روي في هذه المسألة عن عمر بن الخطاب خلاف ما روى زيد في العين القائمة رواه معمر عن الزهري عن سالم قال قضى عمر بن الخطاب في العين القائمة إذا أصيبت وطفئت بثلث الدية روى قتادة عن عبد الله بن يزيد عن يحيى بن يعمر عن عبد الله بن عباس عن عمر بن الخطاب أنه قال في العين القائمة العوراء واليد الشلاء والسن السوداء في كل واحدة منهما ثلث ديتها وروى بن جريج عن بن أبي نجيح عن مجاهد قال فيها نصف الدية وقال مسروق والشعبي وإبراهيم والحكم وحماد فيها حكومة عدل أو حكم ذوي عدل وروى محمد بن إسحاق عن يزيد بن عبد الله بن قسيط أن عمر بن عبد العزيز قضى في عين كانت قائمة فضخت بمائة دينار قال أبو عمر العين القائمة المذكورة في هذا الباب هي السالمة الحدقة القائمة الصورة إلا أن صاحبها لا يرى منها شيئا وقد اختلف السلف في ديتها إذا أصيبت كما ترى واتفق مالك والشافعي وأبو حنيفة على أن فيها حكومة من غير توقيت إلا ما يؤدي إلى اجتهاد الحاكم المشاور للعلماء وكذلك اليد الشلاء عندهم‏.‏

وقال الشافعي قضى زيد بن ثابت في العين القائمة فحمله عندي أنه حكم بذلك مجتهدا وأن ذلك كان منه على وجه الحكومة لا على وجه التوقيف والله أعلم قال ومعنى الحكومة أن يقوم المجني كم يساوي لو كان عبدا غير مجني عليه ثم يقوم مجنيا عليه فينظر كم بين القيمتين فإن كانت العشر فعليه عشر الدية أو الخمس فعليه خمس الدية قال أبو عمر فهذا حكم العين القائمة تفقأ خطأ أو عمدا إلا أن يكون الفاقىء لها عمدا له عين مثلها ففيها القود ولو أن رجلا ضرب عين رجل صحيحة فذهب بصرها وبقيت قائمة ففي العمد من ذلك القود وأرفع ما جاء في ذلك ما روى عن علي رضي الله عنه رواه معمر عن الحكم بن عتيبة أن عثمان رضي الله عنه أتي برجل لطم عين رجل أو أصابه بشيء فذهب بصره وعينه قائمة فأراد عثمان أن يقيده فأعيا ذلك عليه وعلى الناس كيف يقيده وجعلوا لا يدرون كيف يصنعون حتى أتاهم علي بن أبي طالب ‏(‏رضي الله عنه‏)‏ فأمر بالمصيب فجعل على وجهه كرسف ثم استقبل به عين الشمس وأدنى من عينه مرآة فالتمع بصره وعينه قائمة وروى عباد بن العوام عن عمر بن عامر عن سعيد بن المسيب أن رجلا أصاب عين رجل فذهب بصره وبقيت عينه مفتوحة فرفع ذلك إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه فأمر بمرآة فأحميت ثم أدنيت من عينه حتى سالت نطفة عينه وبقيت قائمة مفتوحة ذكره سنيد عن عباد بن العوام قال يحيى وسئل مالك عن شتر العين وحجاج العين فقال ليس في ذلك إلا الاجتهاد إلا أن ينقص بصر العين فيكون له بقدر ما نقص من بصر العين قال أبو عمر نحو هذا قول أبي حنيفة والشافعي وذكر عبد الرزاق قال أخبرنا بن جريج قال أخبرني عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز أن عمر بن عبد العزيز كتب إلى أمراء الأجناد أن يكتبوا إليه بعلم علمائهم قال فكان مما أجمعوا عليه في شتر العين ثلث الدية وفي حجاج العين ثلث الدية قال أبو عمر حجاج العين هو العظم المشرف على غار العين وهما حجاجا العين قال أهل اللغة الحجاجان هما العظمان المشرفان على غاري العينين‏.‏